- الرضاعة المحرمة : زمنها ومقدارها عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم المصة والمصتان" رواه بخاري و مسلم وعن ام الفضل قالت دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيتي فقال: يا نبي الله إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الاولى انها ارضعت امرأتي الحدثى رضعة أو رضعتين فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم الاملاجة والاملاجتان " رواه مسلم والاملاجة المصة أو الارضاعة الواحدة وفي رواية " لا تحرم الرضعة أو الرضعتان أو المصة أو المصتان " رواه مسلم وعن ام سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام " رواه الترمذي وصححه وكذلك صححه الالباني في ارواء الغليل (ج/2 ص/221) وعبارة (فتق الأمعاء) كناية عن مقدار الحليب (اللبن) فإنه من المقدار بحيث ينتشر أو يملأ الأمعاء الفارغة للرضيع المعتمد على الرضاعة ومنه الفتاق وهو الخميرة لأنه ينفخ العجين ويفتقه وأما عبارة "وكان قبل الفطام" فقد اختلف الفقهاء في حكمها فمذهب كثير من السلف يقتضي تفسير العبارة بوقت الفطام الا بعد وهو حولان فكل مقدار محرم من الرضاع في الحولين يؤدي عندهم التحريم سواء فطم الطفل خلال الحولين أو لم يفطم وذهب عدد من كبار السلف إلى انتهاء التحريم بحقيقة الفطام كما هو ظاهر الحديث فان فطم الطفل بعد سنة واحدة مثلا ثم امرأه في الحولين ولكن بعد زمن من فطامه لم يكن لهذا الرضاع بعد الفطام تأثير في التحريم (زاد المعاد لابن القيم ج/5 ص/577) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لارضاع الا ما كان في الحولين " رواه الدارقطني وصحح اسناده ابن القيم في زاد المعاد ج/5 ص/554 وهذا يجري مجرى الاحاديث السابقة . د - الرضاعة المحرمة : الحكمة من سبب التحريم قال عز وجل : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " (النساء: 23) وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" رواه البخاري و مسلم ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار المرضعة انه قال : (لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فان اللبن يعدي) الوسائل ج/15 عيون الاخبار ص/202 وقال عليه الصلاة والسلام " لا تسترضعوا الحمقاء فان اللبن يشب عليه " نفس المصدر السابق ويلاحظ من الآية السابقة ان الله تعالى قال " واخواتكم من الرضاعة " ولم يقل ( في الرضاعة) فلو قيل ( في الرضاعة) لتبادر إلى الذهن انهم اشتركوا في مجرد الرضاعة واما قوله تعالى (من الرضاعة) فيحتمل انهم اشتركوا في امر آخر بسبب الرضاعة وهذا كقولك : هؤلاء اخوة في الصلاح في عهد الشباب فلو حذفت عبارة "في الصلاح" فانه لا يعني انهم مجرد اخوة في الشباب ولكنهم اخوة في صفة منذ عهد الشباب . فكذلك القول في الآية الكريمة فإن الرضاعة منشأ أو مصدر أو مبدأ الاخوة في صفة فلو قال قائل مثلا انهم صاروا اخوة في بعض الصفات الوراثية أوالمناعية أو النفسية أو غيرها التي احدثتها الرضاعة لكان قولا محتملا وليس في الآية ما يمنع منه. وكذلك فإن لفظ الاخ يدل على الاشتراك في صفة أو امر. قال الراغب رحمة الله : أخ هو المشارك آخر في الولادة من الطرفين أو من احدهما أو من الرضاع ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة وفي غير ذلك من المناسبات. (المفردات/ للراغب الاصفهاني) . فلا بد من البحث عن اخوة الرضاعة وفي أي صفة هي ؟ بحيث يصير الاجنبي قريباً !!! بل ان خمس رضعات مشبعات في اقل من يوم أو يومين تقرب الغريب ويحرم بها ما يحرم من النسب! كما قال عليه افضل الصلاة والسلام في الحديث أعلاه ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) رواه البخاري ومسلم . علما ان التبني بآثاره النفسية الكبيرة ليس له مفعول تلك الرضعات !! فلا بد ان يكون لتلك الرضعات مفعول عجيب ! الاحتمالات الطبية في سبب التحريم بالرضاعة ونظرية في الطب الوراثي من الأمور الثابتة طبيا ان الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان أو بعضها على اقل تقدير غير متطورة أو غير ناضجة في الطفل عند ولادته ويتكامل نضجها تدريجيا خلال اشهر وسنوات ونذكر على سبيل المثال أربعة أمثلة معروفة : 1 ـ الجهاز العصبي المركزي ونضجه البطيء خصوصا الفعاليات العقلية . وبعض الفعاليات العصبية تنضج خلال اشهر واخرى خلال سنوات . 2 ـ الجهاز المناعي للجسم (Immune system) فإن فعاليته عند الولادة تختلف كثيرا عن فعاليته عند الكبار. ويتضح هذا الاختلاف (أو عدم النضج) من دراسة الخلايا اللمفاوية وكذلك الجسيمات المضادة التي يمكن للرضيع تكوينها وهذه الحقيقة هي احد الأسباب التي تقضي تأخير تلقيح الطفل ضد الإمراض المعدية إلى أشهر بعد ولادته واهم من ذلك إن الجهاز المناعي قبل نضجه يمكن اختراقه وتغيير بعض عمله فقد ثبت في علم المناعة خصوصا في التجارب على الحيوانات ان تعرض الجهاز المناعي إلى مواد غريبة قبل نضجه يمكن ان يؤدي إلى تحمل تلك المواد وقبولها بدلا من رفضها 3 ـ الجهاز الهضمي والنمو التدريجي في قدراته الهضمية وقدرة الطفل على الاعتماد على الغذاء الطبيعي للكبار. 4 ـ الجهاز التناسلي وتأخر نضجه إلى سن البلوغ. ونأتي الآن إلى ان الإنسان الغريب يصير قريبا بالرضاعة وانه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب !!فلو فرضنا ان الجهاز الوراثي (الجيني) ليس ناضجا عند الرضيع إذ يمكن اختراقه والتأثير فيه اما بإظهار بعض العوامل المكونة فيه أو بإخفاء عوامل يمكن ان تظهر أو بإضافة عوامل ليست موجودة اصلا وقضية اختراق الجهاز الوراثي ليس بالأمر البعيد خصوصا بعد التجارب العلمية الحديثة في علم الجينات وهندستها فيحتمل على هذا الافتراض انه يوجد في حليب المرضع (غير الام) بعض المواد الغريبة التي يمكن ان تخترق الجهاز الوراثي للرضيع وتؤثر فيه خصوصا ان حليب الأمفيه انواع البروتينات الفعالة ومنها على سبيل المثال الجسيمات المضادة كما ان عدم نضج الجهاز الهضمي عند الرضيع يساعد على عبور كثير من هذه المواد إلى الدم وغيره من أجهزة الجسم.على الجهاز الوراثي واذا صحت فكرة أو نظرية الاختراق الوراثي التي ذكرناها فهل يخشى من عملية الاختراق ان تستحث أو تضيف مواضع خفيفة أو حساسة لا يظهر أثرها عند الرضيع ولكن لو تزوج أخته من الرضاعة مثلا لظهرت الآثار السيئة في أولاده على نحو قريب من الآثار السيئة للزواج من المحارم في النسب ؟ و هل يوجد اثر شئ آخر يمكن توقعه من ذلك الزواج ؟ ذلك ان الذي ينظر إلى الأمور نظرة سطحية لا يجد تشابها ظاهرا بين الرجل وبنت من ارضعيه فيصيبه العجب كيف صاروا أخوة من تلك الصفات ؟ علما انه قد يوجد تشابه باطن له آثار كبيرة على الأجيال الآتية فيما لو تزوج الرضيع أمه أو أخته من الرضاعة وبعبارة أخرى إن عملية الاختراق الوراثي على تقدير وقوعها تكون محددة أو انتقائية (limited or selective) لمواضع معينة من الجهاز الوراثي وليس لكل موضع أو صفة ظاهرة ولما كانت أدنى جرعة مؤثرة خمس رضعات فإنه بسبب تحدد وانتقالية التأثير لا يلزم ان تقع زيادة محددة وقد لا تقع كما ان التشابه الباطن لا يلزم ان يحصل في كل أخ من الرضاعة بل يكفي حصوله في نسبة جيدة تقضي الحكم بالتحريم (كما هو الحال في الآثار السيئة للزواج من المحارم كما هو معروف طبيا) . م ح ش الدولة : شنينة متليلي